فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا}.
اعلم أنه تعالى لما حكى تهديد فرعون لأولئك حكى جوابهم عن ذلك بما يدل على حصول اليقين التام والبصيرة الكاملة لهم في أصول الدين، فقالوا: {لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَاءنَا مِنَ البينات} وذلك يدل على أن فرعون طلب منهم الرجوع عن الإيمان وإلا فعل بهم ما أوعدهم فقالوا: {لَن نُّؤْثِرَكَ} جوابًا لما قاله وبينوا العلة وهي أن الذي جاءهم بينات وأدلة، والذي يذكره فرعون محض الدنيا، ومنافع الدنيا ومضارها لا تعارض منافع الآخرة ومضارها، أما قوله: {والذي فَطَرَنَا} ففيه وجهان:
الأول: أن التقدير لن نؤثرك يا فرعون على ما جاءنا من البينات وعلى الذي فطرنا أي وعلى طاعة الذي فطرنا وعلى عبادته.
الوجه الثاني: يجوز أن يكون خفضًا على القسم.
واعلم أنهم لما علموا أنهم متى أصروا على الإيمان فعل فرعون ما أوعدهم به فقالوا: {فاقض مَا أَنتَ قَاضٍ} لا على معنى أنهم أمروه بذلك لكن أظهروا أن ذلك الوعيد لا يزيلهم ألبتة عن إيمانهم وعما عرفوه من الحق علمًا وعملًا، ثم بينوا ما لأجله يسهل عليهم احتمال ذلك فقالوا: {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} وقرىء: {نقضي هذه الحياة الدنيا} ووجهها أن الحياة في القراءة المشهورة منتصبة على الظرف فاتسع في الظرف باجرائه مجرى المفعول به كقولك: في صمت يوم الجمعة صيم والمعنى أن قضاءك وحكمك إنما يكون في هذه الحياة الدنيا وهي كيف كانت فانية وإنما مطلبنا سعادة الآخرة وهي باقية، والعقل يقتضي تحمل الضرر الفاني المتوصل به إلى السعادة الباقية ثم قالوا: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خطايانا} ولما كان أقرب خطاياهم عهدًا ما أظهروه من السحر، قالوا: {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر} وذكروا في ذلك الإكراه وجوهًا:
أحدها: أن الملوك في ذلك الزمان كانوا يأخذون البعض من رعيتهم ويكلفونهم تعلم السحر فإذا شاخ بعثوا إليه أحداثًا ليعلمهم ليكون في كل وقت من يحسنه فقالوا هذا القول لأجل ذلك أي كنا في التعلم أولًا والتعليم ثانيًا مكرهين قاله ابن عباس.
وثانيها: أن رؤساء السحرة كانوا اثنين وسبعين، اثنان من القبط، والباقي من بني إسرائيل فقالوا لفرعون: أرنا موسى نائمًا فرأوه فوجدوه تحرسه عصاه فقالوا: ما هذا بساحر، الساحر إذا نام بطل سحره فأبى إلا أن يعارضوه.
وثالثها: قال الحسن: إن السحرة حشروا من المدائن ليعارضوا موسى عليه السلام فأحضروا بالحشر وكانوا مكرهين في الحضور وربما كانوا مكرهين أيضًا في إظهار السحر.
ورابعها: قال عمرو بن عبيد: دعوة السلطان إكراه وهذا ضعيف لأن دعوة السلطان إذا لم يكن معها خوف لم تكن إكراهًا، ثم قالوا: {والله خَيْرُ} ثوابًا لمن أطاعه.
{وأبقى} عقابًا لمن عصاه، وهذا جواب لقوله: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وأبقى} [طه: 71].
قال الحسن: سبحان الله القوم كفار وهم أشد الكافرين كفرًا ثبت في قلوبهم الإيمان في طرفة عين فلم يتعاظم عندهم أن قالوا: {فاقض مَا أَنتَ قَاضٍ} في ذات الله تعالى والله إن أحدكم اليوم ليصحب القرآن ستين عامًا ثم إنه يبيع دينه بثمن حقير، ثم ختموا هذا الكلام بشرح أحوال المؤمنين وأحوال المجرمين في عرصة القيامة، فقالوا في المجرمين: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى}.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
الهاء في قوله: {إِنَّهُ} ضمير الشأن يعني أن الأمر والشأن كذا وكذا.
المسألة الثانية:
استدلت المعتزلة بهذه الآية في القطع على وعيد أصحاب الكبائر قالوا: صاحب الكبيرة مجرم وكل مجرم فإن له جهنم لقوله: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} وكلمة من في معرض الشرط تفيد العموم بدليل أنه يجوز استثناء كل واحد منها والإستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل، واعترض بعض المتكلمين من أصحابنا على هذا الكلام، فقال: لا نسلم أن صاحب الكبيرة مجرم والدليل عليه أنه تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن فإنه قال في هذه الآية: {وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصالحات} وقال: {إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين ءَامَنُواْ يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29] وأيضًا فإنه قال: {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يحيى} والمؤمن صاحب الكبيرة وإن عذب بالنار لا يكون بهذا الوصف، وفي الخبر الصحيح: «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان» واعلم أن هذه الاعتراضات ضعيفة، أما قوله: إن الله تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن فهذا مسلم لكن هذا إنما ينفع لو ثبت أن صاحب الكبيرة مؤمن، ومذهب المعتزلة أنه ليس بمؤمن فهذا المعترض كأنه بنى هذا الاعتراض على مذهب نفسه وذلك ساقط، قوله ثانيًا: إنه لا يليق بصاحب الكبيرة أن يقال في حقه: إن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى، قلنا: لا نسلم فإن عذاب جهنم في غاية الشدة قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] وأما الحديث فيقال: القرآن متواتر فلا يعارضه خبر الواحد.
ويمكن أن يقال: ثبت في أصول الفقه أنه يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد وللخصم أن يجيب فيقول ذلك يفيد الظن فيجوز الرجوع إليه في العمليات، وهذه المسألة ليست من العمليات بل من الاعتقادات، فلا يجوز المصير إليها ههنا.
فإن اعترض إنسان آخر، وقال: أجمعنا على أن هذه الآية مشروطة بنفي التوبة وبأن لا يكون عقابه محبطًا بثواب طاعته والقدر المشترك بين الصورتين هو أن لا يوجد ما يحبط ذلك العقاب ولكن عندنا العفو محبط للعقاب، وعندنا أن المجرم الذي لا يوجد في حقه العفو لابد وأن يدخل جهنم، واعلم أن هذا الاعتراض أيضًا ضعيف أما شرط نفي التوبة فلا حاجة إليه لأنه قال: {مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} أي حال كونه مجرمًا والتائب لا يصدق عليه أنه أتى ربه حال كونه مجرمًا.
وأما صاحب الصغيرة فلأنه لا يسمى مجرمًا لأن المجرم اسم للذم فلا يجوز إطلاقه على صاحب الصغيرة، بل الاعتراض الصحيح أن نقول: عموم هذا الوعيد معارض بما جاء بعده من عموم الوعد وهو قوله تعالى: {وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصالحات فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدرجات العلى} وكلامنا فيمن أتى بالإيمان والأعمال الصالحة ثم أتى بعد ذلك ببعض الكبائر.
فإن قيل: عقاب المعصية يحبط ثواب الطاعة، قلنا: لم لا يجوز أن يقال: ثواب الإيمان يدفع عقاب المعصية فإن قالوا: لو كان كذلك لوجب أن لا يجوز لعنه وإقامة الحد عليه.
قلنا: أما اللعن الغير جائز عندنا، وأما إقامة الحد عليه فقد تكون على سبيل المحنة كما في حق التائب وقد تكون على سبيل التنكيل.
قالت المعتزلة قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نكالا مّنَ الله} [المائدة: 38] فالله تعالى نص على أنه يجب عليه إقامة الحد على سبيل التنكيل، وكل من كان كذلك استحال أن يكون مستحقًا للمدح والتعظيم، وإذا لم يبق ذلك لم يبق الثواب كما قلنا.
فدلنا ذلك على أن عقاب الكبيرة أولى بإزالة ثواب الطاعة المتقدمة من الطاعات بدفع عقاب الكبيرة الطارئة.
هذا منتهى كلامهم في مسألة الوعيد قلنا حاصل الكلام يرجع إلى أن النص الدال على إقامة الحد عليه على سبيل التنكيل صار معارضًا للنصوص الدالة على كونه مستحقًا للثواب، فلم كان ترجيح أحدهما على الآخر أولى من العكس وذلك لأن المؤمن كان ينقسم إلى السارق وغير السارق، فالسارق ينقسم إلى المؤمن وإلى غير المؤمن فلم يكن لأحدهما مزية على الآخر في العموم والخصوص فإذا تعارضا تساقطا.
ثم نقول: لا نسلم أن كلمة من في إفادة العموم قطعية بل ظنية ومسألتنا قطعية فلا يجوز التعويل على ما ذكرته، وتمام الكلام فيه مذكور في كتاب المحصول في الأصول.
المسألة الثالثة:
تمسكت المجسمة بقوله: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} فقالوا: الجسم إنما يأتي ربه لو كان الرب في المكان.
وجوابه: أن الله تعالى جعل إتيانهم موضع الوعد إتيانًا إلى الله مجازًا كقول إبراهيم عليه السلام: {إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99].
المسألة الرابعة:
الجسم الحي لابد وأن يبقى إما حيًا أو يصير ميتًا فخلوه عن الوصفين محال، فمعناه في الآية أنه يكون في جهنم بأسوء حال لا يموت موتة مريحة ولا يحيا حياة ممتعة.
ثم ذكر حال المؤمنين فقال: {وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصالحات فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدرجات العلى} واعلم أن قوله: {قَدْ عَمِلَ الصالحات} يقتضي أن يكون آتيًا بكل الصالحات.
وذلك بالإتفاق غير معتبر ولا ممكن فينبغي أن يحمل ذلك على أداء الواجبات، ثم ذكر أن من أتى بالإيمان والأعمال الصالحات كانت له الدرجات العلى، ثم فسرها فقال: {جنات عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} وفي الآية تنبيه على حصول العفو لأصحاب الكبائر لأنه تعالى جعل الدرجات العلى من الجنة لمن أتى ربه بالإيمان والأعمال الصالحة فسائر الدرجات التي هي غير عالية لابد وأن تكون لغيرهم.
ما هم إلا العصاة من أهل الإيمان، أما قوله: {وذلك جَزَاء مَن تزكى} فقال ابن عباس: يريد من قال لا إله إلا الله، وأقول لما دلت هذه الآية على أن الدرجات العالية هي جزاء من تزكى أي تطهر عن الذنوب وجب بحكم ذلك الخطاب أن الدرجات التي لا تكون عالية أن لا تكون جزاء من تزكى فهي لغيرهم ممن يكون قد أتى بالمعاصي وعفا الله بفضله ورحمته عنهم، واعلم أنه ليس في القرآن أن فرعون فعل بأولئك القوم المؤمنين ما أوعدهم به ولكن ثبت ذلك في الأخبار. اهـ.

.قال الماوردي:

{قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ}.
وقيل إن امرأة فرعون كانت تسأل: من غلب؟ فقيل لها: موسى وهارون. فقالت: آمنت برب موسى وهارون فأرسل إليها فرعون فقال: فخذواْ أعظم صخرة فحذَّرُوها، فإن أقامت على قولها فألقوها عليها، فنزع الله روحها، فألقيت الصخرة على جسدها وليس فيه روح.
{وَالَّذِي فَطَرَنَا} فيه وجهان:
أحدهما: أنه قسم.
الثاني: بمعنى ولا على الذي فطرنا.
{فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ} فيه وجهان:
أحدهما: فاصنع ما أنت صانع.
الثاني: فاحكم ما أنت حاكم.
{إِنَّمَا تَقْضِي هذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَآ} يحتمل وجهين:
أحدهما: إن التي تنقضي وتذهب هذه الحياة الدنيا، وتبقى الآخرة.
قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} فيه وجهان:
أحدهما: والله خير منك وأبقى ثوابًا إن أُطيع، وعقابًا إن عُصِي.
الثاني: خير منك ثوابًا إن أطيع وأبقى منك عقابًا إن عُصِي.
قوله عز وجل: {لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى}.
حتمل وجهين:
أحدهما: لا ينتفع بحياته ولا يستريح بموته، كما قال الشاعر:
ألا من لنفسٍ لا تموت فينقضي ** شقاها ولا تحيا حياة لها طعم

الثاني: أن نفس الكافر معلقة بحنجرته كما أخبر الله عنه فلا يموت بفراقها. ولا يحيا باستقرارها. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا}.
قال السحرة لفرعون لما تدعوهم {لن نؤثرك} أي نفضلك ونفضل السلامة منك على ما رأينا من حجة الله تعالى وآياته {البينات} وعلى {الذي فطرنا} هذا على قول جماعة أن الواو في قوله: {والذي فطرنا} عاطفة، وقالت فرقة هي واو القسم، و{فطرنا} معناه خلقنا واخترعنا فافعل يا فرعون ما شئت وإنما قضاؤك في هذه الحياة الدنيا والآخرة من وراء ذلك لنا بالنعيم ولك بالعذاب وهؤلاء السحرة اختلف الناس هل نفذ فيهم وعيد فرعون فقالت طائفة صلبهم على الجذوع كما قال فأصبح القوم سحرة وأمسوا شهداء بلطف الله لهم وبرحمته، وقالت فرقة إن فرعون لم يفعل ذلك وقد كان الله تعالى وعد موسى أنه ومن معه الغالبون.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله محتمل وصلب السحرة وقطعهم لا يدفع في أن موسى ومن معه غلب إلا بظاهر العموم والانفصال عن ذلك بين وقوله: {وما أكرهتنا عليه من السحر} قالت فرقة أرادوا ما ضمهم إليه من معارضة موسى وحملهم عليه من ذلك، وقالت فرقة بل كان فرعون قديمًا يأخذ ولدان الناس بتعليم السحر ويجبرهم على ذلك فأشار السحرة إلى ذلك. وقولهم {خير وأبقى} رد على قوله: {أينا أشد عذابًا وأبقى} [طه: 71].
{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74)}.
قالت فرقة هذه الآية بجملتها من كلام السحرة لفرعون على جهة الموعظة له والبيان فيما فعلوه، وقالت فرقة بل هي من كلام الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم تنبيهًا على قبح ما فعل فرعون وحسن ما فعل السحرة وتحذيرًا قد ضمنت القصة المذكورة مثاله. والمجرم الذي اكتسب الخطايا والجرائم، وقوله: {لا يموت فيها ولا يحيى} مختص بالكافر فإنه معذب عذابًا ينتهي به إلى الموت ثم لا يجهز عليه فيستريح، بل يعاد جلده ويجدد عذابه، فهو لا يحيى حياة هنية، وأما من يدخل النار من المؤمنين بالمعاصي فهم قبل أن تخرجهم الشفاعة في غمرة قد قاربوا الموت، إلا أنهم لا يجهز عليهم ولا يجدد عذابهم فهذا فرق ما بينهم وبين الكفار. وفي الحديث الصحيح «أنهم يماتون إماتة» وهذا هو معناه لأنه لا يموت في الآخرة. و. هي القرب من الله تعالى و{تزكى} معناه أطاع الله تعالى وأخذ بأزكى الأمور وتأتل التكسب في لفظة {تزكى} فأنه بين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{قالوا لن نؤثرك}.
أي: لن نختارك {على ما جاءنا من البينات} يعنون اليد والعصى.
فإن قيل: لم نسبوا الآيات إِلى أنفسهم بقولهم: {جاءنا} وإِنما جاءت عامة لهم ولغيرهم.
فالجواب: أنهم لما كانوا بأبواب السحر ومذاهب الاحتيال أعرف من غيرهم، وقد علموا أن ما جاء به موسى ليس بسحر، كان ذلك في حق غيرهم أبْيَن وأوضح، وكانوا هم لمعرفته أخص.
وفي قوله تعالى: {والذي فطرنا} وجهان ذكرهما الفراء، والزجاج.
أحدهما: أن المعنى: لن نؤثرك على ماجاءنا من البينات، وعلى الذي فطرنا.
والثاني: أنه قسم، تقديره: وحقِّ الذي فطرنا.
قوله تعالى: {فاقض ما أنت قاض} أي: فاصنع ما أنت صانع.
وأصل القضاء: عمل باحكام {إِنما تقضي هذه الحياة الدنيا} قال الفراء: {إِنما} حرف واحد، فلهذا نصب: {الحياة الدنيا}.
ولو قرأ قارىء برفع {الحياة} لجاز، على أن يجعل {ما} في مذهب الذي، كقولك: إِن الذي تقضي هذه الحياة الدنيا.
وقرأ ابن أبي عبلة، وأبو المتوكل: {إِنما تُقضى} بضم التاء على مالم يُسمَّ فاعله، {الحياةُ} برفع التاء.
قال المفسرون: والمعنى: إِنما سلطانك وملكك في هذه الدنيا، لا في الآخرة.
قوله تعالى: {ليغفر لنا} يعنون الشرك {وما أكرهتنا عليه} أي: والذي أكرهتنا عليه، أي: ويغفر لنا إِكراهك إِيَّانا على السحر.
فإن قيل: كيف قالوا: أكرهتنا، وقد قالوا: {أإِن لنا لأجرًا}، وفي هذا دليل على أنهم فعلوا السحر غير مكرهين؟ فعنه أربعة أجوبة.
أحدها: أن فرعون كان يكره الناس على تعلّم السِّحر، قاله ابن عباس.
قال ابن الأنباري: كان يطالب بعض أهل مملكته بأن يعلِّموا أولادهم السحر وهم لذلك كارهون، وذلك لشغفه بالسحر، ولما خامر قلبه من خوف موسى، فالإِكراه على السحر، هو الإِكراه على تعلُّمه في أول الأمر.
والثاني: أن السحرة لما شاهدوا موسى بعد قولهم: {أئن لنا لأجرًا} ورأوا ذكرَه الله تعالى وسلوكه منهاج المتقين، جزعوا من ملاقاته بالسحر، وحذروا أن يظهر عليهم فيطَّلع على ضعف صناعتهم، فتفسد معيشتهم، فلم يقنع فرعون منهم إِلا بمعارضة موسى، فكان هذا هو الإِكراه على السحر.
والثالث: أنهم خافوا أن يُغلَبوا في ذلك الجمع، فيقدح ذلك في صنعتهم عند الملوك والسُّوَق، وأكرههم فرعون على فعل السحر.
والرابع: أن فرعون أكرههم على مفارقة أوطانهم، وكان سبب ذلك السحر، ذكره هذه الأقوال ابن الأنباري.
قوله تعالى: {والله خير} أي: خير منك ثوابًا إِذا أُطيع {وأبقى} عقابًا إِذا عُصي، وهذا جواب قوله: {ولتعلمُنَّ أيُّنا أشد عذابًا وأبقى}؛ وهذا آخر الإِخبار عن السحرة.
قوله تعالى: {إِنَّه من يأت ربه مجرمًا}.
يعني: مشركًا {فإنَّ له جهنم لا يموت فيها} فيستريح {ولا يحيى} حياة تنفعه.
أنشد ابن الأنباري في مثل هذا المعنى قوله:
أَلاَ مَنْ لِنَفْسٍ لاَ تَمُوتُ فَيَنْقَضي ** شَقَاهَا وَلاَ تَحْيَا حَياةً لَها طَعْمُ

قوله تعالى: {قد عمل الصالحات} قال ابن عباس: قد أدَّى الفرائض، {فأولئك لهم الدرجات العلى} يعني: درجات الجنة، وبعضها أعلى من بعض.
والعلى، جمع العليا، وهو تأنيث الأعلى.
قال ابن الأنباري: وإِنما قال: {فأولئك}، لأن {مَن} تقع بلفظ التوحيد على تأويل الجمع.
فإذا غلب لفظها، وُحِّد الراجع إِليها، وإِذا بُيِّن تأويلها، جُمع المصروف إِليها.
قوله تعالى: {وذلك} يعني الثواب {جزاءُ من تزكى} أي: تطهَّر من الكفر والمعاصي. اهـ.